بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل العزة لذاته ثم لرسوله والمؤمنين، فالحمد له أن أرادنا أقوياء لا ضعفاء، متفوقين لا مهزومين وحثَّ على القوة فقال : « وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» والصلاة والسلام الأتمان الأكملان الأزكيان الأعطران على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى وآتاه الله النصرة على الأشداء والأقوياء فما استكان لأحد بل استكان له الجميع، وما هان أمام خصم بل حطَّم قوة الخصوم دون مهانة لهم، صلى الله عليه وسلم في كل آن وحين صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين وارض اللهم عن آل البيت الأشداء، والصحابة أولي القوة والإباء، من نصروا هذا الدين بكل ما آتاهم الله من قوة، ورفعوا راية الحق بكل عزم ونخوة، فكانوا خير خلق الله من عباده، وأعطاهم الله ما لم يعط الأولين و الآخرين، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ومن سار على نهج النبي وتمسك بخطاهم بالهدى والإحسان إلى يوم الدين.
إن الرياضة عموماً، والألعاب التي تمنح الجسد قوة مجابهة الخصوم وإن كثروا، لهي أمر جدير بالبحث والإهتمام والمتابعة، خاصة إذا ما رأينا أو سمعنا عن بعض المتدينين أقوالاً أو دعوات تدعو لنبذ وترك الرياضة وألعاب القوى وتقوية الأبدان بأي شكل من الأشكال، وإن أقل ما يمكن أن يقال لكل من يأبى الرياضة أو يحاربها إنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن قوة المسلم نصر له على خصومه وأعدائه لو لزمته المجابهة يوما، وقد يدري وغالباً لا يدري أنه بمحاربته للرياضة ربما يخدم هدف العدو أو ما يسعى لتحقيقه بطريقة أو أخرى.
وأقول إن حديثاً واحداً عن سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يحوي القوة بكل أنواعها وأشكالها، فكيف وهناك أحاديث نبوية عديدة، ومن أهم تلك الأحاديث قوله "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" والقوة في هذا الحديث تضمن كل معاني القوة، عضلية، مالية، فكرية، علمية، ..وغير ذلك. "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل" وفيه الحث على تنشئة أبنائنا من طفولتهم تنشئة القوة والمنعة، فالسباحة رياضة مائية، والرماية رياضة عسكرية، وركوب الخيل كذلك رياضة عسكرية ونشاط جسدي."حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي" و قد شجع على رياضة المبارزة، فقد ثبت في الصحيح أنه دعا جماعة من أصحابه يتبارزون في مسجده، ووقف يشجعهم والسيدة عائشة رضي الله عنها واقفة معه وهو يقول لهم مشجعاً: "دونكم يا بني أرقده" فمشاهدته لهم وتشجيعه لهم وسماحه لهم بالمبارزة في المسجد النبوي، كل ذلك دليل واضح على منزلة الرياضة في بناء المؤمن القوي.
كما شجع صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين على السباق جريا، فقد ورد في الصحيح أن سلمة بن الأكوع قال : بينما نحن نسير، وكان رجل من الأنصار لا يُسبَق أبداً فجعل يقول ألا من مسابق ؟.. هل من مسابق ؟, فقلت :أما تكرِّم كريماً وتهاب شريفا؟ قال: إلا أن يكون رسول الله، قال : (قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذرني أسابق الرجل إن شئت وأذن بسباق الخيل وسباق الإبل فسبقته إلى المدينة فقد كان له عليه الصلاة والسلام ناقة تسمّى (لعضباء)، وكانت لا تُسبَق نزلت في سباق ذات مرة فسُبِقَتْ، فشقَّ ذلك على الصحابة، فقال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه" وفي رياضة المصارعة ثبت أن سيدنا رسول الله صارع رجلاً من العرب عُرف بشدته وقوته، واسمه رُكانة وما كان مسلما، وخشي الصحابة على النبي من مصارعته فشمَّر النبي فصرعه فقال: ما تقول يارُكانة؟ قال: زلة قدم، وصرعه ثانية وقال: ما تقول يارُكانة؟ قال: زلة قدم، وفي الجولة الثالثة صرعه حتى غمر كتفيه في التراب (بِلُغَة اليوم: ثبَّته) وقال له: وهذه ياركانة؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأحاديث كثيرة أخرى تدل بوضوح دون استنتاج على عناية الإسلام بالرياضة عناية فائقة لما في ذلك من بناء لقوة الجسد الذي يعتبر الآلة التي نقاوم بها أعداءنا، وإنه لمن المعلوم لكل إنسان أن الحروب التي كان يخوضها المسلمون إنما تحتاج لقوة الجسد لما فيها من مبارزة ورماية وركوب خيل وعَدْوٍ وراء العدو، وقوة لأسره وهكذا كان الصحابة يحتاجون إلى تدريب مستمر ليكونوا على جاهزية دائمة. وإن في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) بياناً واضحاً موجهاً إلى المسلمين ليهيئوا في أنفسهم كل أنواع القوة حتى لا يطمع فيهم عدو، ويحققوا النصر على كل عدو وليس في الآية ذمّ بل حضٌّ لإعداد أي نوع من أنواع القوة، وإن أمة جاء في دستورها أمر من الخالق العظيم لإعداد كل أنواع القوة لهي أمة لا يجوز لها أن تنهزم أبداً.
وإذا كان شرعنا الحنيف اختياراً من الله عز وجل لجميع الخلق والبشر بقوله تعالى: " ورضيت لكم الإسلام دينا" وفي هذا دعوة للمسلمين كي ينشروا دين الله في أرجاء الكون، ومما لا ريب فيه أن هذا يحتاج إلى كل أنواع القوة المادية والمعنوية غير أن الإسلام ما ترك أمراً إلا وأحاط به من كل جوانبه، فلئن حضَّ على أمر فإنه لم ينس أن يحذر من سلبياته مهما كانت المبررات ما لم توجد الضرورة، إذ أن الضرورات تبيح المحظورات، ولئن حضَّ الإسلام على تحقيق القوة، ورغَّب بشدة في أوجه الرياضة فإنه من جانب آخر حذَّر من أمور سلبية قد تنتج أو تُتَّبع أثناء ممارسة هذه الرياضة أو تلك، من ذلك: تبادل بعض الألفاظ النابية سباً أو شتما، فهذا أمر مخالف لشرع الله ومخالف لأخلاق المسلم وللروح الرياضية وفي الحديث: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ)(12) وبالتالي فإنه ينبغي على اللاعب أن يتجنب أي لفظ يسيء إلى الطرف الآخر.
حفظ النفس من الحقد والبغضاء للطرف الآخر (الطرف الغالب) فاللعب منذ البداية قائم على وجود غالب ومغلوب، فمن أقدم على لعبة ما وجب عليه أن يتوقع الخسارة ويوطد نفسه على كتم الغيظ وحفظ القلب من أي حقد و بغضاء للطرف الآخر، والحديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" وفي رواية "من سلم الناس من لسانه ويده"
ستر العورة
أثناء ممارسة الألعاب الرياضية، إذ لا يجوز كشف العورة والوقوع في
سخط الله تعالى لتحقيق غاية نفسية ببعض الألعاب، والرجل العاقل
من يحفظ عورته من أقاربه فكيف من الآخرين ؟ وهو يبتغي في كل أمر وشأن رضاء الله تبارك وتعالى
ويتجنب كل ما من شأنه أن يسخط الله عز
وجل. وختاماً: نداء إلى شباب العرب والمسلمين
وشاباتهم: يا معشر شباب العرب والمسلمين
يا معشر شاباتنا وفتياتنا في بلاد العرب والإسلام حققوا
القوة في أجسادكم، واحرصوا على البنية السليمة في أجسامكم، ولا تنسوا أبداً أن العقل السليم في الجسم السليم، واعلموا
أنَّ تحقيق البنية السليمة لأجسامكم إنما هو وجه من
أوجه العبادة، خاصة إذا نويتم بذلك التقوِّي لدين
الله، وأردتم بذلك وجه الله، واعلموا أن أمتكم بحاجة إلى قوة أجسامكم وقوة عقولكم وعلومكم، وبحاجة إلى أي وجه من وجوه
القوة فاسعوا لتحقيق ذلك جاهدين، وابتغوا
وجه الله، واحذروا سخطه، واعلموا أن الله معكم ما دمتم معه (14).ولن يَتِرَكُم أعمالكم.
يا أبناء العرب والإسلام: إن المراتب الأولى التي يحققها أوربي أو ياباني أو أمريكي إنما تدل على ضعفنا وتهاوننا في تحقيق ذلك، وفي ذلك مخالفة واضحة لقوله سبحانه "وأمرت لأن أكون أول المسلمين" والمسلم متفوق على كل العالمين، فلا تهملوا التدريب أبدا، واعتنوا بالتغذية جيداً، وضاعفوا جهودكم لتحققوا ما يحققه الآخرون، فأبدانكم مثل أبدانهم، ولكن عقولكم أعظم من عقولهم، وهممكم أرفع من هممهم، وغاياتكم أسمى وأنبل من غاياتهم، وأخلصوا وابذلوا قصارى ما عندكم في كل ألعابكم وسباقاتكم مع تمام الصلة بالله تعالى يكن الله معكم وينصركم على غيركم، واسمعوا ما يقوله الله لكم "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" "وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون".
وفقكم الله يا أمل الأمة أسعدكم الله يا مستقبل الأمة بارك الله بكم يا غاية الأمة وحقق الله على أيديكم في هذا القرن الجديد وما بعده ما لم يتحقق على أيدي سابقيكم في القرن السابق، وأخذ بأيديكم إلى مراتب العز والنصر والفخر وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم … والحمد لله رب العالمين .